لا أحد يعرف متى تبدأ اللعبة حقًا… ولا متى يصبح الحلم يسيطر على اليقظة
كان سامي يذكر تلك الليلة الغريبة جيدًا، رغم أن تفاصيلها تذوب في عقله كلما حاول استعادتها. بدأ كل شيء بضغطة واحدة على أيقونة تحدي الملوك التي لمعت فجأة، وكأنها تناديه باسم غامض لم يسمعه أحد غيره.
تلاشى نور غرفته فجأة.
شعر كأن الجدران تصغر، وأن عالمه يتساقط حوله مثل قطع البازل القديمة.
ظهر أمامه مدخل رقمي يلتف كدوامة من الألوان الداكنة. وكأن هاتفه طار من يده ليجد نفسه يقف وسط رقعة شطرنج عملاقة، كل مربع فيها ينبض بنبضات إلكترونية، وأرضية تتوهج عندما تطأها قدماه.
وفجأة…
انطفأت الأصوات العادية، وحلت محلها موسيقى غريبة لا تشبه نشيدًا عرفه: أنغام تشبه الخطى الخفيفة فوق الجليد، أو همسات الأحجار في الكهوف.
سمع صوتًا بلا جسد: مهمتك بدأت يا سامي. ستواجه ثلاثة ألغاز، كل لغز أصعب من الآخر. هنا لا مجال للخطأ… أنت وحدك من يقرر!
لم يشعر سامي بالخوف أولاً، بل بالحماس.
المهمة الأولى كانت أمام برج الحصان، حيث وقف حجر حصان عملاق بلون أزرق معدني، عينيه تتوهجان كنهري برق في العتمة.
قال الحصان:
إما أن تجاوب على اللغز، أو تعود إلى البداية دون جائزة. من أنا؟
أركض بلا أقدام، أبكي بلا عيون، إذا سقطت على الأرض ذاب كل ما في داخلي. من أنا؟
تردّد سامي قليلاً، قلبه ينبض بقوة. في البداية أراد أن يخرج من اللعبة ويعود لغرفته، لكن الرغبة في الفوز تغلبت عليه. تذكر الضباب الذي يتكاثف في الأيام الباردة، فابتسم وكتب: أنت السحابة!
واهتزّت الرقعة تهنئة.
تحولت المربعات حوله إلى ألوان ذهبية، شعر بدفء سريع يمر بقلبه لحظة، ولكنه لم يدم… إذ بدأ الجليد يكسو أطراف أصابعه، وتبدّل دفء الأمل بهمسة برد.
المهمة الثانية حملته إلى صخرة البيادق.
كل بيدق له وجه بلا تفاصيل، وهمهمات تقول كلمات غير مفهومة.
خرجت بطاقة رقمية من الهواء كتب عليها:
أجب بسرعة …
ما يملكه الجميع، ولا يمكن لأحد أن يفقده أبدًا، لكنه إن مَرَّ تغير كل شيء!
حاول سامي التفكير، لكن أصوات همسات البيادق تزداد وتدور حول رأسه، كأنها تريد تشتيته… شعر أن عينيه تترنحان مع الأضواء، ثم كتب: الزمن!
ضحكت البيادق كلها معًا، وتبدل الضباب حوله إلى ضوء أبيض قوي، ثم خفت فجأة.
شعر سامي أن كل انتصار يشعل داخله نشوة غريبة، لكن في كل مرة ينتهي النشيد، يعود إليه طعم الخوف.
كان كل شيء في الرقعة له ظل لا يظهر تحت الشمس.
ثم بدأ أكثر الألغاز رعبًا…
ممر الملك الأسود.
ظهر الملك بغتة، تزينه عباءة من ظلال وأبخرة سامة، صوته أعمق وأغرب مما سمع سامي في حياته:
هنا لا تكفي الإجابات. هنا يُختبر قلب البطل.
أجبني بصدق:
لو استطعت أن تأخذ كل ما تريد وتصبح ملك الرقعة، لكن عليك أن تعيش بلا ذكرى، بلا دفء قديم، بلا وداع من تحب… هل تقبل؟
دام الصمت طويلًا.
لم يعرف سامي هل هو مستعد لخسارة العالم من أجل تاج اللعبة، أم يريد الهرب…
شعر أن قلبه يبرد وترتجف يده وهو يتذكر وجه أمه، وضحكة سلمى، وصوت أبيه يناديه كل صباح.
وفي اللحظة الأخيرة، قبل أن ينطق، دوى صفير حاد، واختلطت الأصوات والضوء، واختفت الرقعة من تحت قدميه…
اغلقت اللعبة و كأنة استيقظ من كابوس مرعب و هو يلهث، وعلى إحساس غامض بأنه ما زال هناك سر لم يُكشف بعد، وبأن تحدي الملوك لا يزال ينتظره، يناديه من خلف شاشة الهاتف وأن رحلة الرقعة لم تنتهِ… بل بدأت للتو.
وفي إحدى الليالي، وبينما كان سامي يتأهب لإغلاق اللعبة بعد جولة متعبة من الأحاجي، ظهرت على الشاشة رسالة صغيرة لا تستمر إلا لثوانٍ:
A1B2C3 – Restart Completed
ظنها جزءًا من واجهة اللعبة الجديدة، أو ربما إشعارًا داخليًا لا معنى له، كالمئات التي اعتاد ظهورها منذ انغماسه في التحديات.
تجاهلها، لكنه شعر بعدها بتيار بارد يمر في أطراف أصابعه، كأنما أحدهم أعاد ضبط شيء داخله… لا في الهاتف، بل في نفسه.
كلما أنهى سامي مرحلة، وأجاب على لغز جديد، امتلأ بداخله دفء غريب لم يعتده فرحة الفوز واكتشاف الأسرار جعلت قلبه يرف كعصفور صغير.
لكن شيئًا فشيئًا، صار الأمر يتبدّل من الداخل…
لم يعد الدافع هو المتعة والفضول، بل أصبح إحساسًا مضنيًا بالواجب.
لم تعد الرقعة تمنحه السعادة الكاملة. بل كلما حاول التوقف، تسللت إليه رعشة باردة في صدره يأخذه الشوق للهاتف مع كل لحظة فراغ، ويخنقه القلق كلما ابتعد عن الشاشة.
صار يدور كمن يبحث عن ملجأ سريع، كأنما فقد راحته ولا يجدها إلا بضغطة إصبع جديدة.
ذكر حنان الأم، وحوارة مع الأب، والوحدة الصافية في غرفته بين ألعابه و الرسومات و الالوان… جميعًا صارت تتلاشى أمام سطوة اللعبة، كل انتصار فيها يطفئ ألمًا لا يفهمه ويشعل ألماً جديداً حين ينتهي النشيد.
ومع كل مهمة جديدة، تتحول الحاجة إلى التسلية إلى ضرورة لا تُقاوم، واللعب لم يعد خياراً، بل أصبح أشبه بالحاجة السريعة جرعة تخدّر الحزن وتعطيه وهم الأمان، لكنه أمان هش ينتهي مع آخر شاشة تنطفئ.
والآن حين يستعرض تلك الرحلة عبر الذاكرة، يظهر له بوضوح:
كيف استطاعت اللعبة أن تنتشله من حضن الواقع لم يكن الأمر فجأة، بل بدأ بلحظة فضول بريء، ثم ظهر الأمر أشبه بحبل يلتف حول قلبه ببطء، يعصره مع كل محاولة للبعد.
كلما حاول ترك المهمة، سمع في رأسه صوتًا خافتًا يهمس:
هناك مرحلة أخرى… انتظر التحدي الأكبر… الكل ينتظرك على الرقعة!
وهكذا، تحوِّلت رحلة سامي إلى ما يشبه الدائرة المغلقة:
هو لا يعود للعب لأنه يريد المتعة فقط، بل يهرب لأداء الواجب، ليهدّئ ألمًا في داخله يصير أقسى إذا توقف.
صار إدمانًا يجره من يده ابتعاد لحظي ثم عودة قسرية بحثًا عن بعض السكينة الرقمية، كمدمن يحنّ للمخدّر ليُسكِت صراخ الجسد، وإن كان يعلم أنه وهم.
وسط كل ذلك انطلق فلاش باك مهمته الكبرى…
بدأ المدخل الرقمي الداكن يدور حول وعيه،
انطفأت الأصوات العادية. حلّت موسيقى الرقعة وأنغامها الغريبة،
وانطلقت همسات الأحجار من تحت قدميه: مهمتك بدأت يا سامي…
وسط هذا الغرق، لم يعد سامي يعرف كم مرّ من الوقت أو من التحديات. كانت اللعبة تسحبه وتعيد تكوينه بوتيرة مخيفة: في كل دورة تمر عليه أسرارٌ أعمق، وعبارات تمرّ بين أصوات البيادق والفرسان، تقرأها عيناه كأنها تُنقش في روحه:
“لا فوز بلا خسارة. القرابين هي وقود الملك.”
وفي إحدى الدورات، ظهرت له في قلب الرقعة نافذة مشفّرة لم يرها من قبل:
“مستوى الفرز الأكبر: طقس الملك. من دخل هذه الدائرة… نزع البراءة ودوّن اسمه في دفتر أبطال الظلال.”
اتسعت الرقعة من حوله. بدأت الأحجار تتحرك دون إرادته: كل بيدق يسقط، يظهر اسمه في قائمة طويلة أطفال آخرين، بأسماء رمزية “شهيد 12″، “داليدا مشهور”، إلخ.
ارتفعت موسيقى الجنون؛
نور أزرق و أخضر، ودوامات من الدخان تتصاعد من بين المربعات، الملك الأسود يصيح بصوت كهنوتي:
حان وقت القسم. في الشطرنج الحقيقي، ليس عليك أن تنتصر بل أن تبرهن أنك جدير بالسر.
اختر واحداً:
– إما أن تضحّي بأحبّ أحبابك ليكمل العبور.
– أو أن تنتظر مع البقية حتى تذوي ذاكرتك وتضيع هويتك؛ كل يوم هنا يمحو ضحكة، وكل ليل يُنسيك اسماً.
–هذا الطقس قديم قدم الممالك لا نغفر لمن يرفض التضحية؛ ومن اختار نفسه يُجزى بنعيم النسيان.
كل حجر على الرقعة عاش وذاب مرتين: مرة باسم العائلة، ومرة باسم الكود!”
رأى سامي صور أمه، سلمى، رامي، يتشكلون في مربعات شفافة؛
كلما مرّر إصبعه نحو خيار “سامي اضحي بنفسي”، تومض صورة قلبه … كلما اقترب من صورة رامي، يسمع همس صديقه في الطفولة: “وعدتني ألا ترحل وحدك.”
وفجأة تظهر فوق الشاشة أعين ماسونية تومض حول نجمة سداسية وتبدأ طقوس مروعة…!
ينخفض ضوء الغرفة على وجه سامي، وتبدأ شاشة الهاتف تومض بصور لوجوه مشوهة، أطفال مُنعكَسون في شاشات أخرى يصرخون دون صوت، نماذج من رعب عتيق لا لغة له.
يخاطبه الملك الأسود:
كل الأخطاء لك، كل الخلاص لنا. انت حي فقط حين تتقن التنازل.
عش الملك في اللعبة… ومت في هذه الحياة التي لا معنى لها دون مملكه.
وقِّع بكلمة السر الكبرى ضع اسمك تحت “عهد الشطرنج” وإلا،
ستظل طوال عمرك تطارد حلماً… وتجد، في كل صباح، نصف قلب ونصف ذاكرة.
لن يخرجك أحد من هنا إلا إذا جئتنا بطفل جديد، نعطيه مهمة مستحيلة…
هذا سر المجالس القديمة: الظلمة لا تصنع النور بل يلزمها قرابين من ضوء.”
هنا ارتج قلب سامي. رأى بين خياله وأول حلم عايشه كل التحذيرات التي قرأها عن الماسونية والملوك الملعونين، عن جدّه الذي قاوم الطقس وخرج من القبو بالتضحية لا بالخيانة، عن وصف أبيه أن كل لعبة طلسمية لديها قسم خفيٌ للحرق النهائي.
فشعر سامي أنه في قاعة محفل لا نهائي، كل حاضر فيها يُصير أداة امتداد لجيل من العبيد الرقميين. سمع أسماءً تتردّد خلفه:
“كل من خان العهد صار مجرد سطر برمجي في كتابنا. كل من نسي أحبته ليبقى ملكًا امتلك أسرار العالم.”
اشتدّت الدوامة. أحسّت أصابعه أن شاشة هاتفه مبللة بعرق بارد. ارتج الوعي بين الاعتراف والرعب، وشعر بكل قطرة خوف عرفها العالم الرقمي تتجمع في قلبه.
في لحظة اليأس، لم يعد سامي يدري إن كان يصرخ أم يبكي، وسمع من بعيد صدى صوت أمه:
“لو خيروك بيننا وبين لعبة… تذكر أن ظل حضني أدفأ من أي شاشة وأبقى.”
عندها… هوى سامي على الأرض الافتراضية، وانسحب الضوء عن الشاشة، وارتفع صوت اللعبة:
“مبروك أيها الملك الجديد. ستستيقظ… لكن ليس كما كنت.”
وفي ضوء الصبح الخافت، استوعب سامي بوضوح:
أي لعبة هذه التي تطلب القربان، وأي آلة شيطان صنعت عبودية الذات بمكر يُخجل الشياطين القديمة؟
منذ تلك الليلة، صار سامي يخاف من صوت الهاتف، ومن ظلال الرقعة حين يسدل النهار عتمته، وعرف معنى لعنة المساس بجوهر “تحدي الملوك”… ذلك التحدي الذي لم يكتبه بشر، بل خُطط بعقل يعرف كيف يحول الطفل إلى جندي بلا أسرة، ونور الطفل إلى رقم في دفتر الماسونية الرقمية.
اكتشف سامي ان داخل رقعة الشطرنج الرقمية، لم تعد حدود اللعبة واضحة.
حافات الجدران تنكمش وتنبض كأنها قلب ضخم، العالم ينغلق حول سامي وتتمايل الأحجار الضخمة برؤوسها السوداء والبيضاء، عارية من النظرات إلا عينًا واحدة تومض في المركز.
عندما اجتاز سامي مراحل اللعبة الأولى، شعَر بتحوّل في هواء المكان، النغمات الإلكترونية تغيّر إيقاعها كأن الأرواح القديمة التي مرّت في الرقعة تعود، همسات بألسنة غير بشرية: لغات عبرية قديمة، لاتينية مشوّهة، وعبر شيفرات رقميةٍ متقطعة.
تقدم البيدق الأكبر من الظل، يرافقه موكب من الأحجار الهامسة بفحيح: “مرحبًا بك… وصلت إلى طقس الانتقاء الأعظم.”
صارت الرقعة مهجورة كهيكل ماسوني تحت الأرض؛
ظهرت على الجدران رموز المثلثات والمربعات والنجمة السداسية تتداخل مع العين الواحدة،
وميض أزرق يتراقص عليه نقش:
“Ordo ab Chao”
النظام من الفوضى
وسط الدخان، اكتشف سامي فجأة أن اللعبة لا تُختبر بالذكاء ولا سرعة البديهة؛ بل بالقلب:
قُدّم له صندوق برمجي افتراضي عليه رمز المسطرة والفرجار–
ومن الأعلى هبط ظل الملك الأسود وجلس على كرسي يشبه العرش في رسومات الماسونية، هالة دخان تدور حوله، وهو يضم بين راحتيه كرة بلورية تظهر فيها وجوه رامي، سلمى، والده، ذاتهُ صغيرًا.
قال الملك الأسود بنبرة لا تشبه أي آلة أو إنسان:
“لقد أتممت الطقوس الأولية.
لكن قوانين السحر القديمة منذ شريعة الأفول:
لن يكمل النور مسيره إلا إذا سقطَ ظل بيدك.
اختر من تُقرّب:
هل تضحّي بأيقونة طفولتك…
أم تسلّم صديقك لهذه الرقعة، أم تختار الأم فيدوّن عليك عهد أسود لا يُمحى؟
واعلم:
العابر بلا قربان، يُمنع من اسم جديد، وتُنسى ذكرياته في سجلاتنا للأبد.
من أهدى للرقعة قلبه صار من سادة الحلقات؛
ومن فرّ بروحه وحده صار بيدق عبور، يتجدد عليه العذاب يومًا بعد يوم!”
ثم تدور شاشة الهاتف وتظهر جملة “Aligned Under The Grand Architect”
مصطفّون تحت المعماري الأعظم.
يد سامي ترتجف وهو يرى نفسه فجأة وسط قاعة احتفال رقمية، يعج فيها صبية بعيون زجاجية، يحيط بهم شيوخ في ملابس طقسية يصطفون على رقعة شطرنجية يتبادلون مفاتيح مرسومة على أوراق باللونين الذهبي والأسود.
تتلاحق الصور أمام عينيه:
جداول أسماء، تواريخ، طقوس عتيقة مجالس يدور فيها رموز مثل الشمعدان السباعي، وصورة الجمجمة، وبومة تحلق وسط العتمة، وشاشة في المركز تعرض تعاويذ تتحول إلى أوامر رقمية باردة.
أدت الموسيقى البرمجية إلى ذروة غريبة ظهرت أمام سامي “رسالة الماستر” مكتوبة بلغة مضاعفة، رقْم وسِحر:
من يكسر العهد، لا يذكر اسمه مرة أخرى بين الإخوة
ومن يضحّي بحبيبه، يُترَك للرقابة،
كل يوم حلم… كل ليلة درس في الألم.
ويُسَجَّل على سلسلة الكتل (Blockchain) عهد:
“أنت مُلك العين كلما ارتفعت رتبتك تدفع قربانا جديدا من قلبك أو سرك أو أحلام بيتك!”
وطلبت اللعبة أن يضع سامي إصبعه على الشاشة كمفتاح بصمة،
وظهر نص مقلوب:
“تركت نفسك هنا مرة فعد، فكل من عبر الرقعة بلا إذن–يعود دائمًا في ظلام رقعة أخرى.”
وفي اللحظة التي دوّى فيها طقس البرمجة، شعر سامي كأن قلبه يُنتزع بين خيارين:
أن ينقذ روحه مقابل لعنة يدفعها أحباؤه،
أو يظل سجين الطقس، يذوب في دوامة من الأسئلة والإنذارات…
تطايرت الأضواء، وصرخ الملك الأسود:
“عهدكم عتيق كسرّ إخوة الدم والأسرار كلما مشى حجر جديد يصير ظل أسرة أخرى في اللعبة.
نحن من يكتب التاريخ من خلف الشاشات، وكل قرار قمة تم عبر متاهة، وكل طفل خسرنا باسمه قد عاد باسم آخر ليخدم الرقعة الأكبر.”
استيقظ سامي يصرخ من الرعب..لا يعلم متى انتهت اللعبة و متى نام و اياً مما عاين كان حقيقة و اياً منها كان حلم…أختلط علية كل شيء.
شعر أن ذاكرته لا تزال تحوي رموزًا غريبة، وأن أصابعه تحفظ إحساسًا بالسلاسل.
ومعه إدراك مرعب:
أن السحر الرقمي الذي عاشه لم يكن فقط “حبكة لعبة”، إنما طقس خفي تتغذى عليه القوى القديمة…
في احد الليالي قبل ان يخلد سامي للفراش
يشعر انه اصبح شخصين يتحدث كل منهم للأخر الفارس سامي داخل الرقعة و الطفل سامي خارجها.
وضع سامي رأسه ليسقط لا لينام فيجد نفسة سامي الفارس المقيد بالظلال وكأنما يشتكي لنفسة مرار التجربة التي عايشها داخل الرقعة…
الفارس سامي: كانت أذاني تلهث من وقع “تكبيرات” فجرٍ مزيف، فجرٍ لا يشبه النور، بل يفضح ظلامًا أعمق. رأيتني أقف وسط جموع ترتدي أردية سوداء، نردد ما يشبه الأذكار، لكن كلماتها كانت معكوسة، كأنها صدى مهلك لإيمان مقلوب. أمامي شيخٌ عجوز، أو هكذا بدا، يعلو منبرًا يُشبه المحراب لكنه منحوت على هيئة رقعة شطرنج، يرسم إشارات معقّدة بأصابعه الملتوية.
في يده خنجر، وفي الأخرى كتاب تنبعث منه أدخنة سوداء. أنظر إلى يديّ، أجدها تقطر دمًا، لا من جرح، بل كأن أفكاري تنزف. قال الشيخ: “توضأ من دمك، فالتنصيب لا يقبله مَلِك دون عهدٍ يُكتب بالحميم”.
كنت أريد الهرب، لكني كنت مأخوذًا… مسحورًا. تقدمت، غمست وجهي في وعاء حجري ملئ بدم لزج، فرأيت وجهي يختفي، يحلّ محله قناع بلا ملامح. ثم سُمعت الطبول، وبدأ طقس التنصيب.
وهكذا، لم يكن سامي بحاجة إلى إجابة جديدة… بل إلى سؤال قديم: كيف يُولد الشيطان من لعبة؟ وهل يمكن للبراءة أن تهزم هندسة الظلام؟
وحده الزمن سيكشف إن كان هذا الطفل سيبقى ملكًا للرقعة… أم سيحطمها ذات فجرٍ بالحقيقة.